منذ سنوات طويلة، يصوغ أحمد عبدالحليم في مقاله صورة قاسية عن أوضاع المعتقلين السياسيين داخل السجون المصرية. يروي كلمات أسر الموقوفين، مثل رسالة عائشة عبد الرحمن التي تحدّثت عن إضراب والدها عبد الرحمن البر داخل سجن بدر 3، ليكشف حجم الألم الذي يعيشه آلاف السجناء. يعرض الكاتب شهادات متتابعة تعبّر عن جوعٍ طويل، وهواء محبوس، ونوم مكدود، وحرمان ممنهج من الكتب والراديو والورق ومن رؤية الأهل بشكل إنساني. يعاين هذا الواقع كامتداد لمعركة سياسية لا تقلّ عنفاً عن الاعتقال نفسه.
في الفقرة التالية، يشير المقال إلى أنّ مصدر النص الأصلي هو موقع داون، ويشرح كيف تتبدل أحوال السجناء بحسب تصنيف جهاز الأمن الوطني لهم. يشرح الكاتب أنّ هذه الرسائل المتسرّبة منذ 2013 صارت وثائق حيّة تشرح طبيعة النظام السياسي، وكيف يخنق المجال العام بالتزامن مع كل استحقاق انتخابي. يذكّر أيضاً بأنّ محاولات العائلات والمنظمات الحقوقية لطلب العفو أو المقابلة غالباً لا تلقى استجابة.
يركّز المقال على الإسلاميين، خصوصاً قيادات جماعة الإخوان المسلمين الذين قبعوا وراء القضبان منذ انقلاب يوليو 2013. يصف الكاتب محاكمات جرت داخل أقفاص حديدية، وحرماناً من التواصل مع المحامين، ويستشهد بشهادات مؤلمة أدلى بها محمد بديع، وبسام عودة، وحازم صلاح أبو إسماعيل، وغيرهم، خلال جلساتهم. يضع كل ذلك في سياق سعي السلطة إلى خنق أي مطالبة بالديمقراطية مهما كانت متواضعة.
يعرض الكاتب جانباً شخصياً في الصراع، إذ يشير إلى أنّ عبد الفتاح السيسي يحمل خصومة قديمة تجاه شخصيات بعينها مثل خيرت الشاطر ومحمد البلتاجي، بسبب خلافات سياسية مباشرة حدثت خلال حكم الإخوان. يستدل أيضاً بالمسلسل التلفزيوني "الاختيار" الذي قدّم سردية تُظهر هذه المواجهات كإرث شخصي لا كخلاف سياسي فقط. وبعد عرض الحلقات، ظهر السيسي في لقاء علني يتحدّث عن تلك المشاهد وكأنها توثيق لمواجهة حقيقية امتدّت لأربعين دقيقة. بالنسبة للكاتب، هذا البعد الشخصي يفسّر جانباً من التشدد والقسوة داخل السجون.
يسرد المقال كيف تحوّلت سياسات التعامل مع المعتقلين إلى مزيج من الحسابات السياسية والأمنية. السلطة ترى أنّ الإفراج عن الإسلاميين يهدّد صورتها التي بُني عليها الانقلاب: رواية "إنقاذ الدولة من الإرهاب". ويشرح الكاتب أنّ النظام يعتقد أن خروج الإسلاميين سيخلق مناخاً من السخط المجتمعي، وربما رغبة في الانتقام بعد سنوات المهانة والتعذيب. لهذا يفضّل الإبقاء عليهم خلف الجدران، حتى لو أعلن الكثير من المعتقلين الشباب رغبتهم في ترك السياسة نهائياً، والاكتفاء بحياة طبيعية.
ومع ذلك، يشير الكاتب إلى أنّ النظام يسمح بعفو محدود يطال صغار المعتقلين أو شخصيات لا يشكّل إطلاقها أي معنى سياسي، بينما يبقي القيادات الإسلامية خلف القضبان. يستدعي الكاتب تجربة عصر جمال عبد الناصر التي انتهت بإفراج واسع عن الإسلاميين بعد وفاته، ليقارن بينها وبين اللحظة الحالية حيث لا يظهر أي مؤشر على تغيير مشابه.
يتوقف المقال عند حالة علاء عبد الفتاح، الذي خرج بقرار رئاسي أخيراً. يصفها الكاتب كحالة انتقائية تخدم صورة النظام دولياً، خصوصاً في أوقات تحتاج فيها السلطة إلى تهدئة التوتر مع الحكومات الغربية. يوضّح أنّ الإفراج لا يعكس تحولاً حقيقياً في المنهج، ولا علاقة له بالمشهد الإقليمي المعقّد، من الحرب الإسرائيلية في غزة إلى إعادة ترتيب النفوذ في الشرق الأوسط.
يختم الكاتب بأن ملف المعتقلين سيظل أداة مساومة، يستخدمها النظام داخلياً وخارجياً، في ظل غياب معارضة حقيقية وفي ظل تواطؤ دولي يبحث عن "الاستقرار" ولو على حساب حقوق البشر. يحذّر من أنّ تجاهل هذا الملف سيترك آثاراً طويلة المدى، وأنّ تراكم الظلم داخل السجون سيعود ليطارد أصحاب السلطة أنفسهم عندما تتغيّر المعادلة السياسية يوماً ما.
بهذا الشكل، يقدم المقال مرآة تعكس صراعاً ممتداً بين مجتمع يبحث عن متنفس، وسلطة تتشبث بقبضتها حتى آخر الحدود الممكنة، في بلد يطارد فيه الماضي الحاضر دون نهاية واضحة.
https://dawnmena.org/selective-amnesty-systemic-cruelty-how-egypt-uses-its-prisoners-as-political-leverage/

